كلمة
المحرر
الثقة بأمريكا في قضية فلسطين كالثقة بالشيطان
الثقةُ بأمريكا فيما يتعلّق بأي قضية من القضايا
الإسلاميّة ولاسيّما قضيّة فلسطين المصيريّة رقم واحد كالثقة بالشيطان الّذي من
تولاّه فإنّه يهديه إلى خسارة أيِّ خسارة. إنّ أمريكا وشقيقتها أوربّا هما اللّتان
غرستا إسرائيل ظلمًا وعدوانًا في أرض فلسطين بعد مؤامرة دقيقة بعيدة المدى
نسجتاها، فالرجوع إليهما أو إلى إحدى منهما لحلّ القضيّة الفلسطينية كالرجوع إلى
سبب الداء للاستشفاء.
ولم يتغيّر الأمر شيئًا ولن يتغيّر بذهاب
رئيس أمريكيّ أو مجيء آخر مكانَه، لأنّ الأمريكان – ولا سيّما القادة والساسة –
كلّهم عبيد مستأجرون بيد اللوبي الصهيوني الذي هو أقوى قوة في أمريكا. ولايُرْجَى
أن يتغير الأمر فيها إلاّ إذا تطهرت من وجوده بشكل من الأشكال. وذلك ما لايُرْجَىٰ إلاّ إذا شاء الله. واللهُ على ما يشاء قدير.
في يونيو من العام الماضي 2009م زار "أوباما" الرئيس
الأمريكي الأسود لأول مرة في تاريخ أمريكا – الذي عُدَّ ظاهرةً غريبةً تاريخيّة في
أمريكا تشكّل مؤشرًا بارزًا لحدوث انقلاب غير عاديّ في ديموقراطيّة أمريكا – وألقى
خطابَه الموجه إلى المسلمين في العالم الذي كانت الدعاية به غير عاديّة، والذي
وَعَدَ فيه بأنه اعتزم أن يلتزم بالسعي الحثيث إلى "بداية جديدة" ولاسيّما فيما
يتعلّق بالقضية الفلسطينية والقضايا الأخرى العالقة التي تنتظر الحلّ العاجل
المثمر الذي يرضي العالم الإسلامي، من بينها قضية العراق وقضية أفغانستان، تلك
القضايا التي كثيرًا ما تكون – فيما قال صريحًا – مصدرًا للتوتّر.
وكان المسلمون ولاسيّما العرب – الذين
عُرِفُوا في العصر الحاضر بسذاجتهم والتسارع إلى الثقة بأمريكا وكلّ الذين لدغوهم
مرات لا تُحْصَى – استمعوا لخطاب "أوباما" استماع التلاميذ البررة لأستاذهم داخل الفصل الدراسيّ،
وتفاءلوا كثيرًا بأنّه سيحلّ عما قريب اليوم الذي يسود فيه العدلُ والمنطقُ
السياسةَ الأمريكيّةَ التي ظلّت ولاتزال رهينةً بيد اللوبي الصهيوني، وأنه ستعود
الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة "أوباما" إلى احترام الآخرين ولاسيّما العرب الذين ظلّت أمريكا
بوصاية اللوبي اليهودي تستغبيهم وتعاملهم معاملة المُغَفَّلِين، وأن القضيّة
الفلسطينية بالذات ستجد حلاًّ مرضيًا للعرب، وأن الشعبين العراقي والأفغاني اللذين
سامتهما أمريكا سوءَ العذاب – ولا تزال – دونما ذنب سوى كونهم مسلمين، سيشهدان
حدًّا لمعاناتهما المريرة .
ولكنّ شيئًا من ذلك لم يتحقّق ولن يتحقّق؛
فالكيان الصهيوني تَسَارَعَ بأكثر من ذي قبل إلى بناء المُسْتَوْطَنَات في القدس،
وتشريد الآلاف من الفلسطينيين، وتهويد القدس، وافتتاح كنيس الخراب قرب المسجد
الأقصى الذي يجري أكبرُ عمليّاتِ تخريبٍ تحت أُسُسه وحول أبنيته، وإصدار قرار بطرد
الآلاف من سكّان الضفّة الغربيّة، والتحضير لأكبر عمليّة تطهير عرقي للشعب
الفلسطينيّ تحت الاحتلال. وذلك لتحقيق يهوديّة الكيان الصهيوني حسب قرارات
الصهاينة الأخيرة. ولم يُعر الكيانُ الصهيونيُّ بتصريحاتِ "أوباما" بوقف
الاستيطان أي اهتمام، كما فَشِلَت جولاتُ مبعوثي أمريكا للمنطقة من أجل إرضاء
الكيان الصهيونيّ بوقف الاستيطان؛ حيث أكّد من جديد – كما أكّد دائمًا في الماضي –
أنه فوق جميع القوانين والقرارات الدوليّة، وأنّه قادر على دوس الشرعيّة الدوليّة
وأوامر البيت الأبيض كأبناء الملوك المُدِلِّين الأشرار الذين يفعلون مع الرعايا
أفاعيل ولاتنالهم أيدي القانون بسوء أو مكروه؛ لأنّهم يكونون فوق المؤاخذة
والعقاب!!.
أمّا العراق الذي دَمَّره الاستعمار
الأمريكيّ البغيض – الّذي لم يغزه ويحتلّه إلاّ لابتزاز خيراته وتسخير أبنائه
لأنهم مسلمون وعرب – فلا يزال هذا الاستعمار جاثمًا على صدره، ولا تلوح في الأفق
أية بادرة حقيقية لانسحابه منه. أما إعادة بنائه التي تظاهر بها، لكي تستفيد منها
الصليبية والصهيونية، فهي أيضًا لاتزال حلمًا لايتحقق؛ لأنه منغمس في نهب خيراته
وسرقة أمواله.
أمّا أفغانستان التي إنما دمّرتها أمريكا
لكونها مسلمة، ولكون أبنائها يحكمون بلادهم حكمًا يريح الشعب، بعد معاناة مريرة من
الحرب المدمرة التي فرضتها عليها روسيا، فلا يزال شعبها يلاقى الويلات تلو الويلات
على يد القوات الأمريكية التي جاءت تقضي فيها على "الإرهاب" الذي لازال
غولاً ماردًا يُلاَحِق أمريكا في كلِّ مكان، وما زالت أمريكا تدمر كلاًّ من
أفغانستان وباكستان وتقتل شعبيهما قتلاً عشوائيًّا بذنب واحد وهو أنهما مسلمون،
دون أي نجاح في القضاء على الإرهاب.
إنّ أوباما ومئات من رؤساء أمريكا لن يقدروا
على صنع خير للعالم الإسلامي، مالم يعودوا إلى تبنّى العدل، والعمل بالمنطق،
واحترام الآخرين ولاسيّما العرب والمسلمين، ومالم يجانبوا العداءَ الحنق الذي
يتجذّر في قلوبهم نحو الإسلام والمسلمين، ومالم يتجنّبوا الوقوفَ بجانب كل عدوّ
للإسلام وعلى رأسه "إسرائيل" التي غرست بكل اللاشرعيّة في أرض فلسطين العربيّة
الإسلاميّة. [التحرير]
(تحريرًا في
الساعة 9:30 صباح
الخميس : 27/جمادى الأولى1431هـ = 13/ مايو 2010م)
شعبان 1431 هـ = يوليو - أغسطس
2010م ، العدد : 8 ، السنة : 34